فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} فيه عشرة تأويلات:
أحدها: أنه الرطب اللين، قاله عكرمة.
الثاني: المذنب من الرطب، قاله ابن جبير.
الثالث: أنه الذي ليس فيه نوى، قاله الحسن.
الرابع: أنه المتهشم المتفتت إذا مس تفتّت، قاله مجاهد.
الخامس: المتلاصق بعضه ببعض، قاله أبو صخر.
السادس: أنه الطلع حين يتفرق ويخضر، قاله الضحاك.
السابع: اليانع النضيج، قاله ابن عباس.
الثامن: أنه المتنكر قبل أن ينشق عنه القشر، حكاه ابن شجرة، قال الشاعر:
كأن حمولة تجلى عليه ** هضيم ما يحس له شقوقُ

التاسع: أنه الرخو، قال الحسن.
العاشر: أنه اللطيف، قاله الكلبي.
ويحتمل أن يكون الهضيم هو الهاضم المريء.
والطلع اسم مشتق من الطلوع وهو الظهور، ومنه طلوع الشمس والقمر والنبات.
قوله تعالى: {فَرِهِينَ} قرأ بذلك أبو عمرو، وابن كثير، ونافع، وقرأ الباقون {فَارِهِينَ} بالألف فمن قرأ: {فَرِهِينَ} ففي تأويله ستة أوجه:
أحدها: شرهين، قاله مجاهد.
الثاني: معجبين، قاله خصيف.
الثالث: آمنين، قاله قتادة.
الرابع: فرحين، حكاه ابن شجرة.
الخامس: بطرين أشرين، قاله ابن عباس.
السادس: متخيرين، قاله الكلبي. ومنه قول الشاعر:
إلى فره يماجدُ كلَّ أمْرٍ ** قصدت له لأختبر الطّباعَا

ومن قرأ: {فَارِهِينَ} ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: معناه كيّسين.
الثاني: حاذقين: قاله أبو صالح، مأخوذ من فراهة الصنعة، وهو قول ابن عباس.
الثالث: قادرين، قاله ابن بحر.
الرابع: أنه جمع فارِه، والفاره المرح، قاله أبو عبيدة، وأنشد لعدي بن الرقاع الغنوي:
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ** ولن تراني بخير فاره اللبب

أي من اللبب.
قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: من المسحورين، قاله مجاهد.
الثاني: من السكرانين، قاله قتادة.
الثالث: من المخلوقين، قاله ابن عباس.
الرابع: من المخدوعين، قاله سهل بن عبد الله.
الخامس: أن المسحر الذي ليس له شيء ولا يملك، وهو المقل، أي لست بملك فيبقى، وهذا معنى قول الكلبي.
السادس: ممن له سحر أي رقية، حكاه ابن عيسى.
السابع: ممن يأكل ويشرب، حكاه ابن شجرة، ومنه قول لبيد:
إن تسألينا فيم نحن فإننا ** عصافير من هذا الأنام المسحر

أي المعلل بالطعام والشراب، قال امرؤ القيس:
أرانا موضعين لأمر غيب ** ونسحر بالطعام وبالشراب

. اهـ.

.قال ابن عطية:

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)}.
{ثمود} قبيلة عربية وتصرف على مقصد الحي أو القبيلة، وقرأ بالوجهين، الجمهور بغير صرف وابن وثاب وغيره بالصرف، و{صالح} أخوهم في النسب والأنبياء من العرب أربعة هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام، وإسماعيل عليه السلام عربي اللسان سرياني النسب وهو أبو العرب الموجودين اليوم، وقوله: {أتتركون في ما هاهنا} تخويف لهم بمعنى أتطمعون أن تقروا في النعم على معاصيكم، والهضيم معناه اللين الرطب والطلع الكفرى وهو عنقود التمر قبل أن يخرج من الكم في أول نباته فكأن الإشارة إلى أن طلعها يثمر ويرطب، قال ابن عباس إذا أينع وبلغ فهو {هضيم} وقال الزهري الهضيم الرخص اللطيف أول ما يخرج، وقال الزجاج هو فيما قيل الذي رطبه بغير نوى، وقال الضحاك الهضيم معناه المنضد بعضه على بعض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقرأ الجمهور {تنحِتون} بكسر الحاء، وقرأ عيسى بفتحها، وذكر أنها لغة قال أبو عمرو وهي قراءة الحسن وأبي حيوة، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر {فارهين} وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فرهين} وقرأ مجاهد {متفرهين} على وزن متفعلين، واللفظة مأخوذة من الفراهة وهي جودة منظر الشيء وخبرته وقوته وكماله في نوعه فمعنى الآية كيسين متهممين قاله ابن عباس، وقال مجاهد شرهين. وقال ابن زيد أقوياء وقال أبو عمرو بن العلاء آشرين بطرين، وذهب عبد الله بن شداد إلى أنه بمعنى مستفرهين أي مبالغين في استجادة الفاره من كل ما تصنعونه وتشتهونه، وقوله: {ولا تطيعوا أمر المسرفين} خاطب به جمهور قومه وعنى، ب {المسرفين} كبراءهم وأعلام الكفر والإضلال فيهم، وقولهم {من المسحرين} فيه تأويلان: أحدهما مأخوذ من السَّحر بكسر السين أي قد سحرت فأنت لذلك مخبول لا تنطق بقويم، والثاني أنه مأخوذ من السِّحر بفتح السين وهي الرئة وبسببها يقال انفتح سحره. وقيل السحر قصبة الرئة بما يتعلق بها من كبد وغيره، أي أنت ابن آدم لا يصح أن تكون رسولًا عن الله، وما بعده في الآية يقوي هذا التأويل ومن اللفظة قول لبيد: الطويل:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ** عصافير من هذا الأنام المسحر

ويقال للاغتداء التسحير ومنه قول امرىء القيس:
ونسحر بالطعام وبالشراب

ثم اقترحوا عليه آية وروي أنهم اقترحوا خروج ناقة من جبل من جبالهم، وقصتها في هذه الآية وجيزة وقد مضت مستوعبة، فلما خرجت الناقة {قال} لهم {هذه ناقة لها شرب}، وهو الحظ من الماء، وقرأ ابن أبي عبلة {لها شُرب ولكم شُرب} بضم الشين فيهما، وقد تقدم قصص ورود الناقة، والسوء عقرها، وتوعدهم عليه بعذاب ظاهر أمره أنه أراد في الدنيا وكذلك استمر الوجود، ونسب {عقرها} إلى جميعهم مع اختصاص قدار الأحمر بعقرها من حيث اتفقوا على ذلك رأيًا وتدبيرًا، وقوله: {فأصبحوا نادمين} لما ظهر لهم تغيير ألوانهم حسبما كان صالح أخبرهم ندموا، ورأوا أن الأمر على ما أخبر به حتى نزل بهم العذاب، وكانت صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصبت عليهم حجارة خلال ذلك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أتُتْرَكُون فيما هاهنا} أي: فيما أعطاكم الله في الدنيا {آمنين} من الموت والعذاب.
قوله تعالى: {طَلْعُها هَضِيم} الطَّلْع: الثمر.
وفي الهضيم سبعة أقوال.
أحدها: أنه الذي قد اينع وبلغ، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنه الذي يتهشَّم تهشُّمًا، قاله مجاهد.
والثالث: أنه الذي ليس له نوى، قاله الحسن.
والرابع: أنه المذنَّب من الرُّطَب، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: اللَّيِّن، قاله قتادة، والفراء.
والسادس: أنه الحَمْل الكثير الذي يركب بعضه بعضًا، قاله الضحاك.
والسابع: أنه الطَّلْع قبل أن ينشقَّ عنه القشر وينفتح، يريد أنه منضمٌّ مكتَنِزٌ، ومنه قيل: رجل أهضَمُ الكَشْحَيْن، إِذا كان مُنْضَمَّها، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {وتَنْحِتُون من الجبال بيوتًا فَرِهِين} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {فَرِهين}.
وقرأ الباقون: {فارِهِين} بألف.
قال ابن قتيبة: {فَرِهِينَ} أَشِرِين بَطِرِين، ويقال: الهاءُ فيه مبدَلةٌ من حاء، أي: فَرِحِين، و{الفرحُ} قد يكون السرورَ، وقد يكون الأَشَرَ، ومنه قوله: {إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ} [القصص: 76] أي: الأشِرِين، ومن قرأ: {فَارِهِينَ} فهي لغة أخرى، يقال: فَرِهٌ وفارِهٌ، كما يقال: فَرِحٌ وفارِحٌ، ويقال: {فَارِهِينَ} أي حاذِقِين؛ قال عكرمة: حاذِقِين بنحتها.
قوله تعالى: {ولا تُطيعوا أمر المسرِفِين} قال ابن عباس: يعني: المشركين.
وقال مقاتل: هم التسعة الذين عقروا الناقة.
قوله تعالى: {إِنَّما أنتَ مِنَ المُسَحَّرِين}.
قال الزجاج: أي: ممن له سَحْر، والسَّحْر: الرِّئة، والمعنى: أنت بشر مثلنا.
وجائز أن يكون من المفعَّلين من السِّحر؛ والمعنى: ممن قد سُحِر مَرَّة بعد مَرَّة.
قوله تعالى: {لها شِرْبٌ} أي: حظٌّ من الماء.
قال ابن عباس: لها شِرب معروف لا تحضروه معها، ولكم شِرْب، لا تحضر معكم، فكانت إِذا كان يومهم حضروا الماء فاقتسموه، وإِذا كان يومها شَربتِ الماءَ كُلَّه.
وقال قتادة: كانت إِذا كان يوم شربها، شربت ماءهم أول النهار، وسقتهم اللبن آخر النهار.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن أبي عبلة: {لها شُرْبٌ} بضم الشين.
قوله تعالى: {فأَصبحوا نادمِين} قال ابن عباس: ندموا حين رأوا العذاب على عَقْرها، وعذابهم كان بالصَّيحة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين} ذكر قصة صالح وقومه وهم ثمود؛ وكانوا يسكنون الحِجْر كما تقدّم في الحجر وهي ذوات نخل وزروع ومياه.
{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ} يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب.
قال ابن عباس: كانوا معمَّرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم.
ودلّ على هذا قوله: {واستعمركم فِيهَا} [هود: 61] فقرّعهم صالح ووبخّهم وقال: أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}.
الزمخشري: فإن قلت لم قال: {ونَخْلٍ} بعد قوله: {وَجَنَّاتٍ} والجنات تتناول النخل أوّل شيء كما يتناول النَّعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخل كما يذكرون النَّعم ولا يريدون إلا الإبل قال زهير:
كَأَنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَي مُقَتَّلَةٍ ** من النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقًا

يعني النخل؛ والنخلة السَّحُوق البعيدة الطول.
قلت: فيه وجهان؛ أحدهما: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهًا على انفراده عنها بفضله عنها.
والثاني: أن يريد بالجنات غيرها من الشجر؛ لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل.
والطلعة هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف؛ في جوفه شماريخ القِنوِ، والقِنو اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه.
و{هَضِيمٌ} قال ابن عباس: لطيف ما دام في كُفُرّاه.
والهضيم اللطيف الدقيق؛ ومنه قول امرىء القيس:
عَليَّ هَضيمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ